الأمازيغية بين التنظير والتفعيل -نيابة خريبكة نموذجا-


حروف تيفيناغ (2)

 

خبر خريبكة عبد الكريم العباسي

 

منذ أن شرعت وزارة التربية الوطنية في تنفيذ مخطط تدريس اللغة الأمازيغية في سنة 2003، بدأت بعض الأكاديميات في تكوين أساتذة اللغة الأمازيغية الراغبين في الانخراط في هذا الورش الجديد، تبعا للشراكة بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ووزارة التربية الوطنية في إطار الاتفاقية التي تقتضي من الأكاديميات توفير اللوجستيك ومقرات وظروف التكوين من إقامة وتغذية، وتوفير المعهد لأساتذة باحثين يتكلفون بالتكوين والتأطير في اللغة و الديداكتيك والبيداغوجيا الخاصة باللغة الأمازيغية.

شرع في التكوين في ظروف حماسية نظرا للإقبال الذي لقيته التكوينات من طرف أساتذة التعليم الابتدائي والذين انخرطوا في هذا الورش الكبير عن حسن نية من أجل إنجاحه باعتبار اللغة الأمازيغية كما قال جلالة الملكملك لجميع المغاربة بدون استثناء، الشيء الذي جعل هذه التكوينات مميزة، حيث انخرط فيها كذلك أساتذة غير ناطقين وعبروا عن نيتهم في أن تكون هذه التكوينات حافزا لهم على تعلم اللغة الأمازيغية، كما تعلموا اللغة الفرنسية أو غيرها. كانت هذه التكوينات تتم في قاعات تكتظ بالمتكونين عن آخرها، نظرا للإقبال الايجابي الذي لقيته، وقد كانت تتم على ثلاث مراحل، وكل مرحلة تتكون من خمسة أيام.

بعد التكوين يتم إسناد الأقسام الأولى لمن استفاد من التكوينات الثلاث، بالموازاة يتم تكوين المفتشين في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حتى يتمكنوا من مواكبة تأطير الأساتذة في النيابات التابعين لها حيث توزعت الأدوار البيداغوجية كل حسب اختصاصاته.

 لكن، مع منتصف العشرية الأولى، والتي هي موعد للتعميم في السلك الابتدائي، حتى تبين وجود خلل في تدريس اللغة الأمازيغية في هذا السلك على امتداد أكاديميات المملكة، مع ظهور تفاوت في الاحصائيات وأرقام المتكونين والتلاميذ الذين يدرسون اللغة الأمازيغية، فبدأت بوادر التراجعات من كل الأطراف، بالرغم من استفادة أساتذة من التكوينات وشروعهم في تدريس اللغة الأمازيغية، بدأوا يتخلون عن تدريسها تدريجيا  بعد أسندت إليهم أقسام أخرى للغة العربية أو الفرنسية، فعوض أن يستمر العدد في التزايد أصبح يتقلص من سنة لأخرى.

 لكن ما السبب في ذلك؟

وف اتصال بالأساتذة المتضررين، أكدوا أن معاناتهم انطلقت مع غياب المراجع في السوق، بحكم أن أوفرهم حظا يتوفر على مرجعين حصل عليهما أثناء فترة التكوين، إلى جانب أن الأساتذة يشتكون من قلة أو انعدام التأطير المحلي من طرف المفتشين الذين يشتكون من إكراهات خاصة، فكلما اعترض الأساتذة مشكل في الديداكتيك أو اللغة إلا ويعجزون عن حله، ولا يجدون أجوية لأسئلتهم المستمرة و الكثيرة، إلى جانب تدخل الخريطة المدرسية، مما يخلط الأوراق أثناء إسناد الأقسام أو إحداث تعديل ما في البنية البشرية للمؤسسات، فتربك استقرار الأساتذة.

من جهة ثانية، يخلق عدم تتبع المستويات التي تلي السنة الأولى التي تكون هي بداية تدريس الأمازيغية،  لكنه يحرم منها في المستويات الموالية، وهذا ناتج عن قلة الأطر التي تضمن الاستمرار وتنجح المشروع، كما أن الأساتذة الذين أسند إليهم تدريس الأمازيغية، أصبحوا يشتكون من تجميد نقط التفتيش و الترقية خلافا لزملائهم في العمل، فتاهوا بين من سيتولى تفتيشهم وترقيتهم، هل مفتش اللغة العربية أم مفتش اللغة الفرنسية أم مفتش اللغة الأمازيغية علما أنهم إداريا إما معربون أو مزدوجون، والآن يجدون أنفسهم ثلاثيي التخصص حيث أضيفت لهم اللغة الأمازيغية.

 و بالرجوع إلى الإحصائيات الرسمية نجد أن الكثير منهم تخلوا عن تدريس اللغة الأمازيغية بسبب الاكراهات المذكورة، لكن في الآونة الأخيرة وبعد مرور عشر سنوات على بداية تدريسها قصد تعميمها في سلك الابتدائي، كانت هناك فترة تقويم للمرحلة السابقة من طرف اللجنة المشتركة وأبدى المسؤولون نيتهم في تحسين تدريس اللغة الأمازيغية، وذلك عن طريق إسناد الأقسام في إطار الأستاذ المتخصص فقط في تدريس اللغة الأمازيغية، وكذا إسناد الأقسام لأساتذة يتخرجون من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين متخصصين في تدريس اللغة الأمازيغية.

 لكن حتى ولو سلكت الوزارة حل الأستاذ المتخصص، فهو في حد ذاته مشكل في ظل اكتظاظ البرنامج الدراسي، وإذا لم يكن هناك تعديل في الزمن المدرسي، والزيادة من عدد المتخرجين. فالأستاذ ولو كان متخصصا، لا يمكنه أن يدرس الأمازيغية لمؤسسة بأكملها ولجميع المستويات، وأي استعمال للزمن يمكنه أن يكيفه مع تنقله المستمر بين الأقسام والمستويات، لن يكون مفيدا، فالتخصص سيكون إذن على حساب راحة المدرس وجودة التدريس، وإذا لم يتم توفير العنصر البشري وتحفيزه وتفعيل التكوين المستمر الجدي والتتبع المتواصل للأساتذة في أماكن عملهم.

وبالرجوع إلى نموذج نيابة خريبكة، نلاحظ أنها تتوفر على أزيد من اثني عشر مدرسا للغة الأمازيغية في المجال الحضري و القروي، يبذلون أقصى ما في وسعهم رغم المشاكل السالفة الذكر، ونلاحظ رغبة بارزة لدى النيابة الإقليمية لخريبكة في شخص السيد النائب الإقليمي الذي خلق آليات للزيادة من عدد المؤسسات التي تدرس الأمازيغية، وعازم على أن يضاعف العدد في إطار التخصص في المواسم الموالية إذا ما استجابت الوزارة للخصاص في الموارد البشرية، وإبداء النية الحسنة في تعميم تدريس اللغة الأمازيغية، وبرمجة التكوينات الخاصة بالأساتذة والمديرين. وإذا ما تم ذلك فستكون نيابة خريبكة قد حققت قفزة نوعية وتقدما مهما في هذا الملف، ونأمل أن يتحقق نفس التقدم في باقي النيابات والأقاليم، والوصول إلى ما كانت قد خططته الوزارة بالوصول إلى مليون تلميذ يدرسون اللغة الأمازيغية، وتعميمها في السلك الابتدائي، لتصل إلى التدريس والتعميم بمختلف الأسلاك.