الحوارات الأدبية: الروائي والقاص المغربي الحبيب الدايم ربي


 

 

 

خبر خريبكة: عبدالرحمان مسحت

 

في حياة كل كاتب، روائي أو قاص، قصة لم يكتبها وبقيت في ذهنه مرسومة وواضحة المعالم، دون أن ترى النور، لظروف خاصة… لكنها ظلت تطرق قلب وعقل الكاتب من أجل أن تخرج  للوجود .. من هذا المنطلق، نجري هذا الحوار الأدبي مع بعض الكتاب، نستفسرهم ونستفزهم حول مشروع أدبي لم ير النور، بالرغم من أهميته، ومن خلال ذلك، نعرج على أهم محطاته ونسبر غور حياته الإبداعية …

نص الحوار:

 

ـ كيف جئت إلى الكتابة ؟ هل كان ذلك بالصدفة أم أن الأمر متعلق بأسئلة وجودية وحياتية ؟

 

لئن كنتُ أتيت إلى دنيا الكتابة صدفة، فإن الصدفة نفسها قد لا تأتي صدفة. ولأن المسألة في أصلها محض استعارة فلا بأس من افتعال “أسباب النزول” التي طوحت بي إلى صقع  غثاء أحوى.  ومادامت  لكل المحاربين القدامى حكايات لا يمكن التأكد منها، فإنني سأزعم أن ريحا صرصرا هبت في أشرعةٍ ليست لي، فجرفني تيار الهوى حيث أدري ولا أدري.ولو أن زعمي سيتغير ، حسب سياق الكلام،  دون أن يستقر على حال. من ثم فكل الأقوال تليق بالمزاعم. بيد أن هناك أشراطا لا يمكن القفز عليها، بما  هي ممهدات للاستدراج إلى القص: فحين  يتعرض واحد مثلي لنكسات عريضة ويتحصل لديه ما يكفي من اطلاع ووعي وما لا حد له من الأحلام المستحيلة، ألا يكون من الجنون ألا يكتب، حتى ولو خانته الموهبة قليلا ؟

  ـ في حياة كل كاتب قصة، لم تكتب أو لم تنشر، فما قصة قصتك التي لم تر النور؟

 

المسألة هنا بظني تشبه الجري خلف السراب، فيما أن القصة التي في البال ليست هي ما نكتب، وحتى حين نكتبها فإننا عادة، لا نكتبها، وإنما نمسك بظلها فيما تظل(هي) معلقة في شعاع هارب بلا هوادة ونحن في إثرها نركض. عبثا نركض. وما أكثر ما نكتفي من الغنيمة بالإياب. ولعل خيبة الأمل هذه هي مبرر الاستمرار في الكتابة. وفي البال صدى لقصص أخرى مؤجلة، بعضها يختمر على مهمل وبعضها لا يسعه خيال ولا تدركه اللغة، لكم تمنيت كتابة قصة تناظر غرائبية ما عشته وما يعتمل في الدواخل.

هناك كروكيات لقصص مرجأة عن وقائع وشخصيات بصمت الذاكرة والوجدان. وفي الخلفية يلوح الوالدان… قريبين من القلب بعيدين عن العبارة.

 

ـ هل ما زلت تفكر في كتابتها ونشرها بعد أن قضت مضجعك ؟ أم أنك تحبذ أن تبقى في ذاكرتك بعيدة عن عيون القراء والنقاد ؟

 

لا شك في ذلك، إنها تدق جدران الخزان باستمرار،  بيد أن إخراجها حية يبدو صعبا للغاية، ومع ذلك فأملي أن أتمكن يوما من انتشالها من غيابات الجب وفق ما يليق بي وبها.

 

ـ برأيك هل كتابتها قد يضيف شيئا للأدب المغربي والعربي و العالمي ؟

 

ليست لدي أوهام نرجسية في الكتابة كي أدعي أنني بكتابة القصة أساهم في بناء صرح الأدب، فما يعنيني بالأساس هو أن أدفع بممكناتي في الحكي إلى أقصاها وكفى، و إذا حدث أن صبّت قطرة مما أكتب في بحر الأدب فسأمني النفس بكوني الوارث في خيراته بالفرض والتعصيب.

 

ـ قبل أن تكتب، هل تفكر في الجوائز، العربية والعالمية، التي بدت تؤرق مجموعة من الكتاب المغاربة والعرب ؟ أم أن الكتابة بالنسبة إليك مسألة وجود و حياة ؟

 

 أكتب من أجل الاعتراف بي فأحرى أن اكتب من أجل الجوائز. ما يعنيني هو إيجاد  توازن بين ضغط الواقع وما يعتمل في البال في تسوية هشة. و أجمل جائزة لدي هي أن أحقق قدرا معقولا من الإبداع في قصة أنسجها أو نص أخطه. علما بأنني، وإن كنت أرى الأمور بشكل مختلف، لست ضد الجوائز ولا ضد مقتنصيها، لهم قصصهم ولي قصصي. 

 

ـ هل أنت راض عن أعمالك الروائية والقصصية التي نشرت، أم أنك نادم على نشر بعضها، لأسباب: إبداعية أو فنية أو فكرية أو اجتماعية ؟؟ أم هناك أسباب لا نعرفها وقد تجهلنا أنت نفسك ؟

 

بما أن الحياة لا نحياها إلا في نسخة واحدة، بلا نظائر ولا مسودات، فإن ندمنا حاصل لا محالة، بالربع أو النصف. والحياة، كما يصفها المغاربة، هي “حياة إلا ربع”. لذلك فأنا لست نادما على ما اقترفت يداي من أخطاء في الكتابة إلا بالقدر المعقول في ممارسة الحياة دون خطايا. لكن لا بأس. فخير الخطائين، في الحياة والكتابة، هم التوابون. رغم أنه لا توبة في الكتابة إلا باقتراف مزيد من الأخطاء.

 

 

 

السيرة الإبداعية:

 

الحبيب الدايم ربي، كاتب صحفي وأديب،  ولد سنة 1955 ، حاصل على دكتوراه الدولة في الرواية العربية، ومفتش ممتاز في التعليم الثانوي، وعضو اتحاد كتاب المغرب.

حصل على جائزة إحسان عبد القدوس في الرواية العربية، وجائزة ناجي نعمان للإبداع سنة 2007، وجائزة أحسن كاتب لسنة 2007 في الاستفتاء الصحفي الذي أجرته جريدة أصداء دكالة عبدة الجهوية، يتنوع إنتاجه بين الرواية والقصة، والدراسات النقدية والبحوث الجامعية، شارك في ملتقيات فكرية وأدبية بالمغرب وخارجه (الجزائر، تونس، مصر، لبنان، الأردن)