قراءة في قصة” المصيدة” للقاص عبدالكريم العباسي


غلاف المصيدة لعبدالكريم العباسي

 

خبر خريبكة : عبدالرحمان مسحت

 

بعد النجاح اللافت للجزء الأول من قصة” المصيدة”، للقاص عبد الكريم عباسي، صدر مؤخرا الجزء الثاني من نفس القصة، عن مطابع الرباط نت، ويقع في 71 صفحة من الحجم المتوسط وتضم 24 نصا جاءت كالتالي:” فلاش- التحولات الاجتماعية والسياسية- الطمع- عين العقل- إشكالات-أنين الماضي-عمر-عبد الغني- سعد- حميد-سليمان-اضطراب-السر-الثلاثة-الإخوة- بوح وتردد-جدال-الحقوق والدين والأعراف-الأبناء والإخوان-الحقيقة والمبهم-بين المطرقة والسندان-الجرح الأعمق-القدر-الشمل.

وكعادته، حاول عبد الكريم عباسي، في الجزء الثاني من قصة” المصيدة”، ملامسة قضايا اجتماعية واقتصادية ..من خلال نصوص هي اقرب إلى الحكاية منها إلى القصة، كجنس أدبي محدد، معتمدا في ذلك على تقنيات سردية كلاسيكية. فهو يقدم الشخصيات إلى القارئ للتعريف بهم كحالات إنسانية أولا، ومن خلالهم على الوضع الاجتماعي الذي يعيشونه. ومن خلال هذا التقديم، الكلاسيكي طبعا، للشخصيات والأمكنة والأزمنة ، التي تدور فيها الأحداث، نفهم نوع الصراع القائم بين حمو وزوجته حجو ، وبين محجوبة زوجته السابقة مع أبنائها، وبين الإخوة : كبور، وهو الشخصية المحورية الخفية التي تحرك الصراع الدائر بين الشخصيات الرئيسية ، وبلعيد والغازي … وعائلة فطومة..

وعلى هامش هذا الصراع، الذي يتخذ له أبعادا اجتماعية خطيرة ، والذي يظهر جليا في التفكك العائلي الذي أصاب أفراد العائلة الواحدة، بدافع الطمع تحديدا،  وتأثير ذلك على نفسية الأبطال، نجد في المقابل أيضا صراعا قائما بين شخصيات القصة، وبين المستعمر الذي أجج من الصراع الرئيسي، بعد أن طرد معظم سكان القرية إلى الجبال وقتل كل من سولت له نفسه مقاومة المستعمر، ما أزم من وضعية العائلات وتشتتهم. هذا الوضع الذي سيتخذ له أبعادا وطنية، ويعطي للقصة نفسا مهما ودلالات عميقة، وتجعل الشخصيات تتأثر به وتؤثر فيه ، هو ما يضفي على الجزء الثاني نكهة خاصة و”… بوح بما يؤلم النفس من جراء استعمار البلاد ويؤرخ لفترة مهمة من تاريخ المغرب وسهول تادلة ومناطقها القروية والحضرية..” * ص 8

كما يمثل الجزء الأول من قصة” المصيدة”، بؤرة الصراع بين عائلة حمو ومحجوبة وكبور وباقي الإخوة والأخوات ، ويمتد الصراع إلى باقي الشخصيات الثانوية أيضا. غير أن عبد الكريم عباسي، يعطي البطولة لمحجوبة تحديدا، التي تمثل دور المرأة في المجتمع، والحيف الذي تتعرض له من طرف مجتمع ذكوري “.. وتتوالى خلالها محن وأزمات محجوبة وأبنائها ومشقة الحياة وصعوبتها، وتتناول مشكل تسلط العرف على المرأة باسم الدين، ما يجعلها عرضة لان تفقد حقوقها الشرعية..”ص7

ومع ذلك، تظل محجوبة تناضل وتدافع عن حقوقها، إلى جانب أبنائها، الذين يدعمون قضيتها إلى آخر نفس.

وتبدأ رحلة المعاناة بالنسبة لمحجوبة، بخروجها من منزل الآباء والأجداد، ومهد الذكريات الجميلة.. بعد أن ينجح كبور، بمباركة بلعيد، في الاستيلاء عليه ، لتجد محجوبة نفسها مرمية في الشارع، قبل أن تنتقل إلى منزل تكتريه بمساعدة أخيها بلعيد وسط المدينة، ومن تم تخوض مع أبنائها الخمسة رحلة البحث عن الخلاص.

في المقابل، نجد حمو ، الزوج السابق لمحجوبة ، يصارع هو أيضا تسلط كبور ويقاضي ويعاني من جراء ذلك كثيرا، في رحلة البحث عن خلاص مستبعد، بعد أن فقد مكانته الاجتماعية والاقتصادية ، كأحد الأعيان في المنطقة ، وهو ما سيعى إلى تحقيقه، من خلال ممارسة تجارته والعودة إلى البداية “.. حمو إنسان طموح.. فعندما بدأ الحياة مع حجو ، لم ينم ولم يتكاسل ولم يخضع للواقع البئيس الذي أصبح يعيشه ، لكنه شمر عن ساعديه ليخرج من هذه الضائقة… وانتعشت تجارته وأصبح لديه زبائن في كل المدن والقرى …واستطاع أن يواجه الحياة بكل قوة ويضمن قوت يومه ويتغلب على الحياة من جديد…”ص21

ويظل الصراع محتدما بين شخصيات القصة، إلى حين اجتماع أبطالها في مكان مقدس، حدده القاص بعناية شديدة، كرمز للسلام والتصالح ونسيان الخلافات، للفوز برضا الله أولا وأخيرا، ليكون الدين بوابة الخلاص لشخصيات القصة ، والحل الذي اختاره العباسي للخروج من الأزمة التي امتدت من الجزء الأول حتى الجزء الثاني ، وهو ما يعطي للقصة بعدا دينيا، ليس كفكرة وحسب، وإنما كفعل وواقع.. ليكون ذلك اللقاء بداية تجاوز الخلافات وطي صفحة من الماضي القاتم، بعد أن يعيد بلعيد حقوق إخوته من مال ، سلبه بطرق غير شرعية ، وتتغير أحوال محجوبة بعد أن تصبح تملك ثروة كبيرة، وتذوب الخلافات بين ” الإخوة الأعداء “، وتجتمع العائلة الكبيرة في يوم العيد، بعدما تنجح حجو في جمع شتات أفراد العائلات المتخاصمة، وتنظم عرسا على حسابها الخاص فتلين القلوب وتمحي الخلافات….

لقد نجح عبد الكريم عباسي في توظيف تقنيات سردية كلاسيكية تغرف من منابع المدرسة الواقعية ، سواء تعلق الأمر بطريقة تقديم الشخصيات، حيث خصص لكل شخصية فصلا خاصا، أو من حيث تصوير الصراع الدائر بينها من خلال أمكنة وأزمنة محددة، بأسلوب بسيط بعيد عن التكلف والغموض

يشار إلى أن  عبد الكريم عباسي، قاص من المغرب، تنفس الحياة سنة 1965 بمدينة القصيبة، يعمل أستاذا مؤطرا للغة الأمازيغية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فرع خريبكة.

حاصل على دبلوم في الموسيقى العربية وعلى عدة جوائز جهوية ووطنية .. مؤلف لعشر حكايات أمازيغية تربوية للأطفال .. كما ترجم عدة أعمال وبحوث باللغة الأمازيغية وحاصل على عدة شواهد تقديرية من جمعيات مختلفة في ميدان الثقافة الأمازيغية وكذا من جمعيات مهتمة بالإنتاج الأدبي والرقمي و المعلوماتي.