في حوار مع صاحب ( سيلان… ) القاص هشام حراك


  خبر خريبكة – حوار عبد الرحمن مسحت

( قاص وروائي مغربي )

  الجنس والدين والسياسة: الثالوث الموضوعاتي الطاغي على قصص مجموعتك الجديدة: ( سيلان…) … بماذا تفسر الأمر؟

 – لأنها فعلا الأمراض، بل والفيروسات التي باتت تنخر مجتمعنا المغربي المشترك الذي نعيش فيه وبالتالي تهدده في استقراره الاجتماعي في بعده الإنساني، ولن أدخل في أية تفاصيل أخرى لأن دوري كقاص تشخيص الأوضاع لأجل تسهيل مهمة الأطباء من ساسة ورجال اقتصاد وعلم نفس وعلم اجتماع ممن يعنيهم الأمر إن كان يعنيهم فعلا.

  لماذا ( سيلان…) كعنوان للمجموعة التي تتناول أحداث ومواضيع متنوعة؟

 – كما يعلم الجميع، فالسيلان معروف بصفته داء منقولا جنسيا، وهو داء جنسي له علاج طبعا ما يعني أنه لا يشكل خطرا إلا في حالة واحدة: إذا ما تم غض الطرف عنه من طرف المعنيين بمحاربته لئلا يتحول إلى داء فاتك بالإنسانية برمتها فبالأحرى بالمجتمعات والشعوب.. وهو كعنوان لمجموعة قصصية تتضمن العديد من الموضوعات المتنوعة كما ذكرت في سؤالك يعد خيطا أساسيا لكافة الأقاصيص المتضمنة بين دفتي: ( سيلان… ) : والمقصود تحديدا، جوابا على سؤالك باختصار، كافة الأمراض الاجتماعية والدينية والثقافية ووووو… الخطيرة بل والفظيعة التي إن لم نجابهها كمغاربة انطلاقا من كافة مواقعنا المختلفة فإنها لن تتحول، وبكل تأكيد، سوى إلى فيروسات جد فتاكة بنا جميعا باعتبارها هنا ستكون منقولة اجتماعيا ونفسيا و حتى جنسيا لغياب تربية جنسية علمية ولاستمرار الجنس كطابو ودينيا بسبب الفهم الخاطئ للدين المنتشر للأسف لدى الغالبية العظمى من أفراد المجتمع، وبكل ما قد يكون لذلك من تداعيات سياسية صعبة لا أحد يمكنه التكهن بها وبما قد يجيء منها…

 () سؤال ربما يبدو لك ساذجا: هل تكتفي في كتاباتك المصنفة واقعية من طرف النقاد بتأملك للواقع فقط؟

 – بالنسبة لي، تأمل الواقع الذي ينبغي أن يكون بعين نقدية حادة غير محايدة هو شرط أساسي لأية كتابة إبداعية قصصية، لكني لا أنكر في هذا السياق حرصي اليومي التام على قراءة كل الصفحات المهتمة بقضايا المجتمع والناس التي تصدرها مجموعة من الجرائد المغربية ذات الحرفية والمهنية في عملها الإعلامي الرزين، ولا أخفيك سرا، أن قراءاتي هاته، فضلا عن تأملاتي المباشرة لما يحدث بشكل يومي في المجتمع الذي أعيش فيه من أحداث تستحق التناول والتحليل القصصيين، أفادتني كثيرا كقاص وككاتب مسرحي في كافة كتاباتي، وأنا أشيد هنا على وجه الخصوص بالتجربة الإعلامية الرائدة لصفحات: ( من القلب إلى القلب ) التي أنجزتها جريدة    ( الأحداث المغربية ) ذلك أن قراءاتي لما كان ينشره المواطنون أنفسهم، وبعين تأملية نقدية دائما، مكنتني كثيرا من القبض على مجموعة من الحالات السيكولوجية والعصبية والجنسية التي لن أقول عنها إنها شاذة بقدر ما أقول عنها إنها تكاد تصل إلى قضايا عالقة  تنطوي على تداعيات خطيرة تنخر المجتمع الذي نعيش فيه وهي التداعيات التي لن تقود هذا المجتمع – لا قدر الله – إذا ما لم يتم الاهتمام بتشخيصها إبداعيا وعلاجها بما يلزم اجتماعيا وسيكولوجيا ودينيا واقتصاديا وثقافيا من طرف المعنيين بالأمر من أولي الأمور من ساسة هذا المجتمع، إلا إلى تجليات سياسية الله وحده هو الذي الذي مدى خطورتها المتمثلة في الفتك بهذا المجتمع برمته.

 () سؤال أخير: المستنتج من التراكم المهم الحاصل لحد الآن على مستوى كتاباتك السردية وتصريحاتك الصحفية أنك لا تمارس على نفسك أي شكل من أشكال الرقابة.. ألا تخشى على نفسك من نفس المصير الذي سببته ( الخبز الحافي ) لمحمد شكري مثلا؟

 – أصرح دائما أنني كإنسان وككاتب ضد  كل أشكال الرقابة مهما كانت اجتماعية أو سياسية أو جنسية أو دينية، وبالتالي أنا دائم الحرص على أن أكون ضد كافة أشكال قوى الكبت والظلام، تماما، مثلما أصرح دائما أنني لست ضد تلك القوى المحافظة المناضلة لأجل الاعتدال.. والدي، الله يرحمه، الذي أنجبني وأخرجني إلى حيز هذا الوجود الذي يجمعنا عن طريق بطن والدتي، كان رجلا محافظا معتدلا باعتباره بنى ثقافته وبالتالي حياته من جميع جوانبها ومناحيها بما في ذلك بصفته أبا لثمانية أبناء على التراث والدين والأخلاق الاجتماعية المشتركة موازاة مع انفتاحه على كافة التحولات والتطورات المجتمعية التي عرفها مجتمعنا أيامها وأيضا على الإيجابي من ثقافات وحضارات الآخرين بشكل عام… بدوري، ومنذ نعومة أظفاري راكمت أشياء جميلة وأخرى سيئة وعندما بلغت سن الرشد ككاتب بدأت أصفي الأمور وفق تجاربي وخبراتي الحياتية موازاة مع ما راكمته من دراسة وتحصيل أكاديميين وقراءات خاصة فيما يتشر من كتب تتماشى وذوقي في القراءة أدبية كانت أم فكرية أم سوسيولوجية أم سيكولوجية، الخ… أعتقد، ودون الدخول في تفاصيل بعض التفاصيل أن هذا، بإيجاز شديد، ما صار يمثل رؤاي وقناعاتي التي أمارسها بحرية مطلقة لأنه، في اعتقادي على الأقل، وعلى مر تاريخ البشرية، لا حقيقة مطلقة توجد إلى حد الآن وفي كافة المجالات والميادين، ولكي نبلغ المطلق الحقيقي الذي ننشده جميعا كنسبيين في هذا الوجود علينا أن نتحاور ونتحاور ثم نتحاور ونتحاور في نسبياتنا على اختلافها المتعدد بكثير من الإصغاء الجاد والجدي وبالتالي بكثير من التسامح الحقيقي الصادق… هاته هي المسألة.